• ارتفاع الدولار يثير قلق الأسواق والرهان على الفائدة الأمريكية

    08/03/2015

    ​بلغ أعلى مستوى له خلال 11 عاما أمام سلة العملات الأخرى
     ارتفاع الدولار يثير قلق الأسواق .. والرهان على الفائدة الأمريكية
     

    ارتفاع الدولار يعني ارتفاع تكلفة الصادرات الأمريكية مقارنة بنظيرتها العالمية.
     
     

    في سباق العملات الدولية، يبدو الدولار الأمريكي حاليا قطارا منطلقا بأسرع ما يمكن، يتجاوز الجميع ويفشل الكل في اللحاق به. فما أن أعلن قسم العمل الأمريكي أن الاقتصاد الوطني أضاف في شهر واحد فقط وتحديداً في شباط (فبراير) الماضي 295 ألف وظيفة جديدة، وأن معدل البطالة تراجع من 5.7 إلى 5.5 في المائة، حتى قرعت الأجراس بأن الاقتصاد الأمريكي في وضع قوي، وترجم ذلك في أسواق العملات بارتفاع قيمة الدولار أمام سلة من العملات الدولية إلى أعلى مستوى له خلال 11 عاما ونصف العام. وإذا كان الدولار قد برز بوصفه سيد العملات الدولية، فإن مركزه تعزز ليس فقط بارتفاع قيمته جراء زيادة الطلب الدولي عليه، وإنما أيضا نتيجة تراجع الطلب على منافسيه في الأسواق، سواء اليورو أو الاسترليني أو الين.
    دان بارنوا الخبير المالي في بورصة لندن، يعتبر أن العام الراهن سيكون عام الدولار بامتياز، ويشير إلى أن الطلب الراهن على الدولار سيتواصل لفترة طويلة مقبلة.
    وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن الدولار في أفضل أوضاعه حاليا، فالاقتصاد الأمريكي في حالة من النمو، والأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة أفضل من منطقة اليورو ومن بريطانيا وبالطبع من اليابان، وهذا سيعزز الطلب على الدولار، خاصة مع انخفاض قيمة الذهب بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
    لكن السؤال المطروح الآن من المستفيد ومن الخاسر مع ارتفاع الدولار؟ من يتحمل مسؤولية ارتفاع الدولار؟ وكيف سينعكس ذلك على الاقتصاد الأمريكي والأسواق العالمية؟ وإلى متى ستواصل العملة الأمريكية ارتفاعها؟ عديد من الأسئلة حملتها الاقتصادية لعدد من الاقتصاديين البريطانيين لمعرفة آرائهم واستكشاف وجهة نظرهم في هذا الشأن.
    وتقـــــــــول لـ "الاقتصـــــــادية"، الدكتورة جورجينا كاتز أحد أبرز الاقتصاديين البريطانيين، وأستاذ التجارة الدولية في جامعة يال الأمريكية، إن صعود الدولار في مواجهة العملات الأخرى سيكون له انعكاسات متباينة داخل الاقتصاد الأمريكي.
    وأوضحت كاتز إلى أنه إذا كنت مواطنا أو مواطنة أمريكية وترغب في قضاء عطلة بمفردك أو مع أسرتك خارج الولايات المتحدة، فإن ارتفاع الدولار سيكون في مصلحتك تماما، إذ إن الخدمات التي ستقدم إليك ستكون أسعارها أقل مقيمة بالدولار، ولهذا فإن ارتفاع الدولار مفيد لشركات السياحة الخارجية في أمريكا، ولنظيرتها الأوروبية التي تعمل على جذب السياح من أمريكا، وعلى العكس تماما شركات السياحة الداخلية في أمريكا أو الشركات التي تعتمد على السائحين القادمين من خارج أمريكا ستتضرر، لارتفاع تكلفة السفر والإقامة في الولايات المتحدة نتيجة مواصلة الدولار ارتفاعه. وأشارت كاتز إلى أن القطاع الصناعي والتصدير والتوظيف كل ذلك سيتأثر في أمريكا وفي خارجها أيضا، فارتفاع الدولار يعني ارتفاع تكلفة الصادرات الأمريكية، مقارنة بنظيرتها من منطقة اليورو وبريطانيا واليابان والصين، وهذا يعني ضرورة العمل على خفض التكاليف، وغالبا سيتم ذلك عن طريق خفض عدد العاملين، إذ سترتفع البطالة، والعكس صحيح إذ إن الواردات من الخارج ستكون أقل سعرا، ما يعني زيادة الواردات عن الصادرات وهذا سيؤدي إلى عجز في الميزان التجاري، وستنتعش صادرات الأسواق الناشئة والبلدان المنتجة للمواد الخام إلى أمريكا ويتحسن ميزانها التجاري، وإذا واصل الدولار الارتفاع فيمكن أن يتراجع النمو الأمريكي هذا العام بين 0.3-0.4 في المائة.
    وتقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور تيم ردو الاستشاري في البنك الدولي، إن الأمر ينظر إليه من زاوية مختلفة فالقوة الرئيسية الدافعة للاقتصاد الأمريكي ليست التصدير، وإنما الاستهلاك الداخلي، والإنفاق الاستهلاكي يمثل 70 في المائة من الاقتصاد الأمريكي، معتبراً أن انخفاض الدولار يعني أن تراجع أسعار الواردات من المكرونة إلى السيارات الألمانية الفاخرة، والسيارة الفاخرة أوروبية الصنع تكلف في أمريكا 70 ألف دولار، وعندما يكون سعر التحويل بين الدولار واليورو 1.40، ونفس السيارة ستكلف المستهلك الأمريكي 57 ألف دولار فقط عندما يكون سعر التحويل بين الدولار واليورو 1.15، ومن ثم فالمستهلك سيستفيد وسيشهد الاقتصاد مزيدا من الانتعاش.
    وأشار ردو إلى أن القول بأن الصناعة الأمريكية ستتضرر نتيجة ارتفاع الدولار، ولا بد من التعامل معه بحذر، فالمؤكد أن بعض القطاعات ستصاب بانتكاسات، لكن قطاعات صناعية أخرى مهمة ستستفيد بشدة، فعلى سبيل المثال الصناعات التي تعتمد على استيراد مواد خام من إفريقيا مثلا أو معدات هندسية من ألمانيا ستكون في وضع أفضل نتيجة انخفاض أسعار تلك السلع مقيمة بالدولار، وستتضاعف هذه الفائدة إذا كانت منتجاتها تباع في الأسواق الأمريكية ولا يتم تصديرها، لأن قيمة الدولار مرتفعة، ومن ثم فإنها ستحقق أرباحا في عملية الشراء والبيع.
    وذكر ردو أن بعض رؤساء مجالس الشركات الأمريكية الكبرى مثل (MSFT) و(PG) و(PFE) قد أوضحوا للإدارة الأمريكية أن مواصلة الدولار ارتفاعه يضر بمصالحهم، ففي المقابل شركة مثل عملاق التكنولوجيا العالمية "أبل" وهي تحقق نصف عائداتها من بيع منتجاتها خارج أمريكا، قد تغلبت على ارتفاع قيمة الدولار عبر مزيد من الإجراءات المنظمة للميزانية.
    ويثير ارتفاع الدولار جدلا اقتصاديا حول على من تقع المسؤولية، فبينما يحمل البعض واشنطن المسؤولية الاقتصادية عن ذلك، يرد آخرون وهل نحمل أمريكا أيضا مسؤولية انخفاض قيمة العملات الدولية الأخرى كاليورو والاسترليني والين، بل ومن يتحمل مسؤولية تراجع أسعار الذهب؟
    وإذا كانت العملة البريطانية في وضع أفضل أمام اليورو جراء تحرك الفارق في أسعار الفائدة لمصلحة الاسترليني، فإن العملة البريطانية عززت موقفها في مواجهة العملة الأوروبية الموحدة نتيجة بلوغ الفارق بين عائد السندات الحكومية البريطانية لأجل عشر سنوات ونظيرتها في منطقة اليورو أعلى مستوى له منذ شهر أيلول (سبتمبر) 2014 لمصلحة السندات البريطانية.
    إلا أن هذه الصورة الإيجابية لوضع الاسترليني تتراجع عند الحديث عن علاقته بالدولار، حيث انخفضت العملة البريطانية في مواجهة نظيرتها الأمريكية بنحو 0.2 في المائة إلى 1.5208 دولار، وهذا يقارب أدنى مستوياته خلال أربعة أسابيع.
    واليورو أيضا ليس في وضع أفضل من الاسترليني، والمثير للاستغراب أن قرار البنك المركزي الأوروبي بتفعيل برنامج التيسير الكمي ابتداءً من يوم غد الإثنين لم يترك بصمات إيجابية على قيمة اليورو في مواجهة العملات الدولية الأخرى وخاصة الدولار، فاليورو آخذ في التراجع أمام الدولار، وسط توقعات بأن ينخفض قريبا لأدنى مستوى له أمام نظيره الأمريكي في 13 عاما. ومع هذا، فإن انخفاض قيمة اليورو يمثل نبأ طيبا بالنسبة لاقتصادات 19 دولة عضو في منطقة العملة الأوروبية الموحدة.
    إذ يعني هذا زيادة صادراتهم عالميا وإلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، وسط توقعات بانتعاش السياحة الأمريكية إلى أوروبا جراء انخفاض قيمتها مقيمة بالدولار. الدكتور دي ويلر أستاذ الاقتصاد في جامعة أدنبرة، والمستشار الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يطرح قضية ارتفاع قيمة الدولار في مواجهة العملات الدولية من منظور اقتصادي مختلف.
    وأشار ويلر لـ"الاقتصادية"، إلى أنه في تشرين الثاني (نوفمبر) 1971 وخلال اجتماع في روما لمجموعة العشرة، صرح جون كونولي وزير الخزانة الأمريكي في حينها قائلا "الدولار عملتنا ولكنه أيضا مشكلتنا. هذا التعليق صحيح فالدولار لا يزال عملة أمريكا، ومشكلتها أيضا، لكن أمريكا ليست بمفردها مسؤولة عن هذه المشكلة، فالسلوك الاقتصادي العالمي وخاصة للدول النامية والاقتصادات الناشئة، مسؤول أيضا عن ارتفاع قيمة الدولار، وما ينجم عن هذا من مشاكل اقتصادية".
    وأضاف ويلر، أن الدولار لا يزداد قوة فقط لأن الاقتصاد الأمريكي ينمو، وإنما يزداد قوة أيضا بفعل السياسات المالية التي تتخذها البلدان الأخرى، فرؤوس الأموال الدولية بقدر تدفقها على الاقتصاد الأمريكي نتيجة قوة ونمو هذا الاقتصاد، وسواء رغبة منها في الاستثمار المباشر أو شراء سندات أو أسهم، ولا يجب تجاهل عوامل الطرد الموجودة في الاقتصادات الناشئة.
    وبشأن ما يثيره ارتفاع الدولار من جدل داخل الأوساط الاقتصادية الرسمية في أمريكا يجيب ويلر قائلا، إن هناك تيارين داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فهناك تيار قوي يطالب بإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، لأن رفعها يعني جذب المزيد من رؤوس الأموال الدولية إلى أمريكا، وصعود الدولار ربما لمستويات غير مسبوقة، وبما يضر بالاقتصاد الأمريكي ذاته، والتيار الآخر يطالب برفع أسعار الفائدة لجذب مزيد من الاستثمارات لرفع معدلات التوظيف وشعارهم فليذهب الآخرون للجحيم.
    وحول الخطوات التي تتخذها الاقتصادات النامية والناشئة، التي تنعكس إيجابا على الدولار، يشير ويلر إلى أن تراجع قيمة عملات البلدان النامية والاقتصادات الناشئة مثل تركيا والصين وإندونيسيا والهند، يدفع بالمودعين للتحول من العملة المحلية أو العملات الدولية مثل الاسترليني واليورو والين إلى العملة الدولية الأقوى أي الدولار، خاصة أن أسعار الفائدة المحلية تتراجع في هذه البلدان. فالهند قامت بخفض معدلات الفائدة مرتين متتاليتين، وإندونيسيا تراجع معدل الفائدة فيها إلى 7.5 في المائة، وتركيا 7.5 في المائة، وبيرو 3.5 في المائة، وأستراليا 2.25 في المائة، وكندا وسويسرا والدنمارك 0.75 في المائة.
    وأضاف ويلر، أنه إذا كان هذا يشجع على الاقتراض المحلي، ومن ثم إنعاش الاقتصاد الوطني، عبر زيادة الإنفاق الاستهلاكي أو اقتراض المستثمرين المحللين من المصارف، وتوسيع نطاق نشاطاتهم بما يعنيه ذلك من زيادة فرص التوظيف، فإنه يؤدي أيضا إلى خفض المدخرات بالعملة المحلية وتحويل المدخرين أموالهم إلى الدولار ومن ثم زيادة الطلب عليه.
    ومع مواصلة الدولار ارتفاعه، يخشى عديد من الاقتصاديين في الأسواق الناشئة أن يواجهوا مصاعب اقتصادية جامة خلال الفترة المقبلة، فمعظم الالتزامات والتعهدات المالية على تلك البلدان تقيم بالدولار.
     

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية